· 
مقـالـة اليـوم : توضـيحات [ فـاطر و الانفطـار ، العـرْش و الكرسـيّ ]
فــاطــر و الانفطـار :
يوجدُ في القرآن الكريم سورتين باسم : [ فاطـر ] و [ الإنفطـار ] 
ففي سـورة [ فـاطـر ]
يتحدّث القرآن الكـريم عن [ فطْـر ] السماوات و الأرْض ، أيْ : [ إيجـادهـا للمرّة الأولى منَ العَـدَم ] ، لأنّ الكوْنَ ليْسَ [ أزليّـاً ] ، فالله وحْدهُ [ إزليّ ] لأنّه ( الأوّلُ و الآخـرُ ) الحديد 3 .
و في بـداية فطْـر السَـماوات ، كـانت السماوات كلّهـا عبـارة عن [ دُخــان = سـديم كوْنيّ ] ، يقول تعالى : ( ثُـمّ اسْـتوى إلى السَـماء و هيَ دُخـانٌ ... فقضاهُنّ سَـبْع سـماوات في يوميْن ) فصّلت 12 ، و اليومين هُمـا منْ أيّام الخلْق أيْ : [ الأحقاب ] ، و ليْسَ اليوم الأرضيّ المعروف حاليّاً .
و حـاليّـاً : فإنّ الغـلاف الجويّ الذي يُحيْطُ بالأرْض ، مُتمـاسـكٌ جداً و متين ، ليحفظَ الأرْض و من فيهـا منَ الأشـعّة الكونيّة و الشُهُب و النيازك .... ، يقول تعالى : ( و بنيْنـا فوقـكُم سـبعاً - شِـداداً - ) النبـأ 12، ( و جعلْنـا السماء - سـقْفاً محفوظـاً -) الأنبياء 32 ، و هذا يحميهـا منَ الزوال بسـبب الرياح الشمسـيّة .
و في سـورة [ الإنفطـار ]
يتحدّثُ القُـرآن الكريم عن عودة السـماء إلى حـالتهـا الأولى عند [ فطْـرهـا ] ، أيْ : إلى حالتهـا الدخـانيّة ، و ذلك في بداية أحداث يوم القيـامة ، يقول تعالى : ( إذا السـماء - انفطـرتْ - ) الانفطـار 1 ، أيْ : عادتْ إلى حـالتهـا التي [ فُطـرتْ ] عليْهـا ، و بعْـد [ انفطـارهـا ] و تحوّلهـا إلى [ دُخـان ] ، سـتزولُ تمـاماً بسَـبَب الرياح الشـمسـيّة القويّة عندمـا تقتربُ الشمسُ من الأرْض بحيْثُ يُصبحُ القمر داخل الشمس : ( و جُمعَ الشَمسُ و القمـر ) القيامة 9 ، و يقولُ تعالى عن زوال السماء : ( و إذا السماءُ كُشـطتْ ) التكوير 11 .
إذاً : سورة [ فـاطر ] تتحدّث عن بداية تشكيل السماء ، بينمـا سورة [ الانفطار ] تتحدّث عن نهـاية السَماء .
العـرْشُ و الكـرسـيّ :
وردتْ كلمـة [ العرْش ] في القرآن الكـريم بمعانٍ متعدّدة ، كمـا وردتْ في باب [ المجَـاز ] ، مثـال :
_ العُـروش : هيَ [ مجـازٌ ] على الدمـار الشَـامل ، الذي لا يُبقي و لا يَـذَرْ ، مثال : مدينة القُدْس بعدمـا هدمهـا [ نَبوخـذّ نصّـر ] و مـرّ عليهـا [ العُـزيْر ] : ( أو كالذي مـرّ على قريةٍ و هي خـاويَةٌ على عُـروشـها ) البقرة 259 ، و مثال عن صاحب الجنّتيْن : ( فأصْبح يُقلّبُ كـفّيْه على مـا أنْفقَ فيهـا ، و هي خـاويةٌ على عُروشـها ) الكهف 42 .
_ يعـرشُـون : هي [ مجـازٌ ] لمـا يبنيه البشر من منشـآتٍ زراعيّة ، يقول تعالى : ( و دمّـرنـا مـا كانَ يصْنـعُ فرعونَ و قومـهُ ، و مَـا كـانوا - يعْـرشون - ) الأعراف 137 ، ( و أوحى ربّكَ إلى النحْل إنِ اتّخذي منَ الجبال بيوتاً و منَ الشَجَر و مـمّـا - يعْرشون -) النحل 68 .
_ العَـرْش : بمعنى المقْعـد المُخصّص للملِك ، مثال عن مـلكة سَـبأ : ( و لهـا عـرْشٌ عـظيم ..... نـكّـروا لهـا عَرْشـهـا .... أهَـكَـذا عرْشُـكِ ) سورة النمل 23 / 42 ، و عن يوسُف عليه السلام : ( و رفَعَ أبويْـه على العـرْش ) يوسف 100 .
( ليْسَ كـمثْـلـه شَـيْء ) الشورى 11 :
فالله سُـبحانه الواسـعُ العليْمُ ، ليْسَ لـديْه [ مقعـدٌ عمـلاق ] للجلوس عليه ، فاستخدمَ كـلمة [ العرْش ] في باب [ المجـاز = استخدام الكلمة من أجْل إطـلاق المعنى لأبْعد مَدى ، و المبالغة في بيان العبارَة على الإيجـاز ] :
_ ( خَـلَقَ السَماوات و الأرْض في سـتّة أيّـامٍ ، و كـان - عرْشُـهُ على المـاء -) هود 7 ، هُنـا [ المجـازُ ] لا يعني أنّ [ العرْشَ كـانَ يطـوفُ على مـاءٍ هـائل ] ، و لكنّ المعنى و الله أعلمُ ، أنّهُ [ خـلالَ ] خلْق السماوات و الأرْض منْ أجْل استيعاب [ الحياة ] ، فإنّهُ سُـبحانه قـد ركّـزَ قُـدْرتَـه [ عرْشَـهُ ] على المـاء ، لأنّ المـاء وحده هـو مصْـدر الحياة ، لقوله تعالى : ( و جعلْنـا منَ المـاء كلّ شـيْءٍ حـيّ ) الأنبياء 30 .
_ ( الذينَ يحملونَ العرْشَ و مَنْ حولَـهُ ) غافر 7 ، ( و يحملُ عرْشَ ربّـكَ فوقهُـم يومـئِذِ ثمـانية ) الحاقّة 17 ، هُنـا [ المجَـاز ] لا يعني أنّ العرْشَ مقعَدٌ عملاق ، و لـه [ وزْنٌ ] و يحتاجُ إلى [ حَمْـلٍ = قوّة تُعاكسُ الجاذبيّة ] ، و لكـنّ [ المجَـاز ] يعني و الله أعلمُ : أنّ العرْشَ هُنـا يعني [ الصُحُـفَ ] التي يجري تسجيل أعمال الناس بهـا ، و التي سيحملُهـا الملائكة الكرام [ فوق ] الرؤس يوم الحساب لتوزيعهـا على الناس : ( و إذا الصُحُفُ نُشـرتْ ) التكوير 10 .
_ ( و ترى الملائكة - حافّيْنَ - منْ حولِ العرْش ) الزمر 75 ، يعني [ المجاز ] هُنـا : [ اللوحُ المحفوظُ ] ، لأنّ لـه نهـايات و [ حـوافّ ] .
_ ( ذو العرْش المجـيد ) البروج 15 ، ( لو كانَ معـه آلـهةٌ كمـا يقولون ، إذاً لابتغوا إلى ذي العرْش سـبيلاً ) الإسراء 42 ، هُنـا [ المجـاز ] يعني : أنّ [ العرْشَ ] يعني : [ السيْطرة المُطـلقة على كلّ مـا في الكون ] ، و الله أعلمُ .
الكـرسـيّ :
إنّ كـلمـة [ الكرسـيّ ] في اللغة ، تعني [ الدعـامة و المسْـند ] ، و لذلك يُسـمى مكان الجلوس [ كُـرسـيّ ] لأنه مرفوعٌ على [ أربع دعامـات و مساند ] .
_ ( وَسِـعَ - كُـرسـيّهُ - السماوات و الأرض ، و لا يؤودُهُ - حـفظُهُـمـا -) البقرة 255 ، إنّ [ المجـاز ] هُنـا لكلمة الكرسيّ ، يعني [ القوّة و أوتـار الطـاقة ] التي يحْفـظُ بهـا الله سُـبحانه كلّ السماوات و الأرْض ، لذلك تابعتْ الآية الكريمة : ( و لا يؤودُهُ - حـفظُهُـمـا -) .
_ كـلّ هـذا و اللـه أعْلـم .
بارك الله بكم و عليكُم ، و جعلكم من ورثة جـنّة النعـيم ، و لكم خالص الشكر و التقدير و الاحترام لتعليقاتكم و مداخلاتكم الكريمة و التي تدلّ على ذوقكم الرفيع و كَـرَم أخلاقكم و سِـعة علمكم و اطّلاعكم ، و صلى الله و سلم على صاحب الخُلُق العظيم و مدينة العلْم ، و تفضلوا بقبول فائق الاحترام

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن التعامل مع النفس